فن المقالة فن نثري متميز عن بقية فنون النثر ، بسرعة نشره في الصحف و المجلات ووصوله بسهولة إلى اكبر قدر من الجماهير ، و معالجته لأحداث الساعة المتلاحقة ، و لذلك كان من ابرز فنون النثر تأثيرا في الجماهير،و حملا لها على ما يريده كتابه ،و من أكثرها قدرة على معالجة ما فسد من القيم و التقاليد ،لأنه يتناول ذلك كله –في الغالب – بأسلوب سهل بسيط قريب من عامة الأذواق و الأذهان .و قد عرفت المقالة العديد من التعاريف لان كل مهتم بتعريفها رصدها من زاوية مختلفة ، أو رصدها من عدة زوايا مختلفة ،ناظرا إلى مجال أو عدة مجالات من مجالاتها ، متأثرا بسمات مقالات مرحلته الزمنية .و لكثرة هذه التعاريف التي يغطي كل منها جانبا من جوانب المقالة أو اكثر ،لا نقف عند أحدها باعتباره التعريف الوحيد ، الجامع المانع ،و إنما نستعين بأكثر من تعريف ما دمنا نسلم بان هذه التعاريف لا تغطي أنواع المقالة المتعددة ،و ميادينها الرحبة العريضة جميعا مما يجعل أي تعريف منفرد تعريفا ناقصا ،على نحو ما . ولا تساعدنا لفظة المقالة من الناحية اللغوية في تحديد المصطلح مساعدة كبيرة .
فلفظة مقالة مشتقة من مادة (قول):قال ،يقول،قولا،قليلا و قولة،مقالا و مقالة…و قد وردت بعض مشتقات اللفظة في الشعر الجاهلي و في القران الكريم و الحديث الشريف .و قد استخدم العرب في العصور الإسلامية الأولى لفظة(مقالة) كمصطلح فني ،لكن دلالتها كانت تعنى (بحث في مذهب من لب\المذاهب الدينية أو مسالة .و صاغ الدكتور جونسون اشهر تعاريف المقالة،حيث عرفها بأنها (وثبة عقلية ،لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظام ، و هي قطعة إنشائية ،لا تجري على نسق معلوم ،و لم يتم هضمها في نفس كاتبها،أما الإنشاء المنظم فليس من المقالة في شيء .فالمقالة تعبير مكتوب عن نظرة أو رأي شخصي في أمر من أمور الحياة ،أو شيء من أشيائها ،يتخذ الكاتب له فيه خط سير مرسوم –أيا كان شكل ذلك الخط –يتم بتمامه نقل ما في نفسه إلى المتلقي .فكلمة مقال اسم مكان ،يعني مصدر القول و مكانه ، فهي تعبير مجازي ،أي أن المقال هي قول في مكان –و بهذا تفترق عن الخطابة – و هذا يشير إلى شكلها و ما يجب أن تكون عليه من أبعاد و حدود،و ما تتميز به عن غيرها من فنون النثر ، و لعل من أهم تلك المميزات أنها قول مكتوب.فالمقال ما هو إلا تجربة عقلية وجدانية يمر بها الكاتب ،ويتمثل خطوطها ،و يعبر عنها بأسلوبه الخاص الذي يحمل طابعه الشخصي،و هو قطعة نثرية لها هيكل يبدأ من فكرة معين ،و يظل يشعر في النهاية في كل من الأجزاء، إلى أن تكشف العبارة الأخيرة عن المضمون،وتبرر وجود العبارات السالفة وتلاحمها في البناء.
و باستقراء التعاريف السابقة ،نرى أن المقالة قطعة إنشائية نثرية،محدودة الطول ،والموضوع،تكتب بطريقة عفوية بسيطة،لا تكلف فيها و لا تصنع ،عن موضوع يمس شخصية كاتبها من قريب أو بعيد .
مرحلة النشأة:
يذهب بعض الأدباء إلى أن فن المقالة ليس فنا حديثا ،و إنما هي قديمة العهد ،ترجع إلى ما أنشأه العرب من خطب ،ومقامات،وفصول،و رسائل.فإذا رجعنا إلى الوراء انقل صفحات النثر العربي في عصوره المختلفة ، بحثا عن المقالة في نشأتها و نموها ،نجد المقالة فنا من فنون النثر التي ولدت في ظلال الدولة الإسلامية .حيث اهتم الإسلام و رسوله صلى الله عليه و سلم بالكتابة و حث عليها،و احتفل بها هو و الخلفاء الراشدون و غيرهم من بعده.بيد أنها وسمت باسم (الرسالة) أو (الكتاب)، مراعاة لطريقة وصولها إلى الآخرين إذ هي مرسلة،أو لهيأتها إذ هي مكتوبة،فلما هيئت لها أسباب الشيوع،و توفرت لها أسباب الانتشار ،و أصبحت قولا معروضا منشورا للعامة و الخاصة – بواسطة الصحف- كان من الضروري أن يغير اسمها و يتحول إلى (المقالة).
ان الواقع يؤكد ارتباط نشأة المقالة في أدبنا الحديث بتاريخ الصحافة ارتباطا وثيقا ،حيث نشأت الصحافة و معها المقالة بوصفها الوسيلة الأساسية في التعبير عن أغراضها المختلفة و آراء محرريها و كتابها.
تطور المقالة العربية الحديثة:
يمكن اعتبار تاريخ المقالة العربية في مصر،هو تاريخ للمقالة العربية الحديثة.وليس ذلك لان المقالة العربية الحديثة كتبت في مصر.واستمرت تكتب زمنا طويلا قبل ان تكتب في عالمنا العربي لظروف القراء العرب و المثقفين، و لظروف الطباعة في أقطارنا العربية فحسب.و ليس ذلك لان المقالة العربية الحديثة التي كتبت في مصر ،كانت تقرأ في عالمنا العربي كله،و تركت صدى مباشرا و غير مباشر في نفوس مثقفيه فحسب ،بل لان المقاليين الذين كتبوا هذه المقالة طوال مراحلها-خاصة المراحل الأولى –كانوا يمثلون الأمة العربية تمثيلا حقيقيا أيضا.فقد كان المقاليون طوال مراحل تطور المقالة العربية الحديثة – مصرين و متمصرين و ضيوفا على مصر- من مصر و الشام الكبير و العراق و الحجاز و اليمن و السودان و الشمال الأفريقي…و يؤكد ذلك استعراض أسماء المقاليين و تتبع أصولهم ، و يضيف الاستعراض و التتبع أسماء كثيرة أخرى لعناصر وفدت من العالم الإسلامي الأوسع ،و لم يكن هؤلاء و أولئك مجرد مساهمين هامشيين في كتابة المقالة العربية في مصر،و إنما كانوا من أعمدة كتابها،و من عناصر استمرارها. و لذا يمكن اعتبار المقالة،مقالة عربية كتبت في مصر .
و لظروف الحياة الفكرية و الثقافية خلال القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين في مصر ارتبط تاريخ المقالة العربية الحديثة بالصحافة المصرية ارتباطا وثيقا. حيث لم تنشر المقالة الحديثة في مراحلها الأولى كفن مستقل ،أو تنشر في مجموعات مقالية وحدها، كما حدث في فرنسا و إنجلترا،و إنما نشأت المقالة العربية في حضن الصحافة المصرية ،و وظفت في خدم أهدافها ،و في حمل آراء كتابها و محرريها و مراسليها.و قد مر تاريخ تطور المقالة العربية الحديثة بخمس مراحل،ارتبطت بتطورات الحياة الفكرية المصرية و نشأت عنها.كما ارتبطت بانعكاس الحياة الاجتماعية في المنطقة العربية على المثقفين العرب .و قد تميزت كل مرحلة من هذه المراحل الخمس بحدوث تطور فني في أسلوب المقالة و شكلها،و في موضوع المقالة و أهدافها.و هو تطور اثبت جهد المقاليين الكبير في خدمة فن المقالة كي تصل إلى انسب شكل فني يحقق أفضل اتصال بالقارئ.
عوامل تطور المقالة:
فن المقالة إذن فن عربي أصيل مر في الحياة بأطوار،أعطته و أخذت منه،حتى كان على ما نرى اليوم في هذا العصر الحديث.و هكذا يتبين لنا ان فن المقالة فن عربي أصيل ،قديم في نشأته،عرفه العرب مع بدء الدولة الإسلامية،و تطورت شيئا مل في العصر الأموي ،حتى أتقنها كتاب العرب في العصر الأموي،وفي الأندلس كذلك وجدت واضحة في بعض كتابات علم مثل- الجاحظ—وغيره-حيث تناول موضوعات محددة في صورة مركزة-تشبه إلى حد كبير شكل المقالة و إن لم تكن هي تماما.و بمضي هذا الفن في طريقه البين ،حتى إذا كان العصر الأدبي الحديث يتطور تطورا ملحوظا،و يتحول به المسار،وكلما مضى بنا الزمن في العصر الحديث كلما يزدهر هذا الفن و تتعدد ألوانه و موضوعاته،حيث توفر له من عوامل التطور ما غير فيه الكثير،فقد عرف عصرنا الحديث المقالة منذ فاتحته إذا كانت هي استهلالته الموفقة ،وكان الكتاب الأوائل الذين أسسوا أدب العصر الحديث أصحاب مقالات اكثر ما كانوا أصحاب كتب على أن مقالاتهم قد ضم بعضها إلى بعض حتى تألفت منها كتبهم الأولى ،وظهرت حاجة المعاصرين إلى المقالة بأكثر مما ظهرت حاجتهم في مطالب الكتاب ،إذا كان عصرنا في حضارته يود غذاء روحيا و عقليا كخبزه اليومي، فوجد المقالة وسيلة إليه ، فنما هذا الفن في ظلال هذا العصر،و برزت المقالة في الصحف اليومية و الأسبوعية و المجلات الشهرية إذ كان دأبها في مظاهرها العناية بأدب المقالة.
و هكذا كان تطور هذا الفن و ازدهاره في عصرنا الحديث يرجع لأسباب كثيرة ، أبرزها:
1- نشأة الصحافة العربية، و كثرة عدد الصحف و المجلات المنتشرة في ربوع الوطن العربي، و التي تحولت إلى لسان يخاطب الشعب بكل طبقاته، و في كل أموره ، و كانت الصحافة على اختلاف أنواعها تقوم أساسا على المقالات ، و فيها أيضا سرعة وصول المقالات إلى جمهور القراء.
2- العودة إلى التراث العربي في عصور ازدهاره ،و اتباع منهج أصحابه في الكتابة ،و التمسك باللغة القوية و الأسلوب المرسل ،فتطور فن المقالة و ازدهارها كان أثرا من آثار الرجوع إلى تراثنا الأدبي العربي .
3- الاتصال بالأدب اغربي الحديث ،و التأثر بكتاب المقالة فيه، الذين وصلوا بهذا الفن إلى أقصى درجات الإجادة و الازدهار، فانفتح كتابنا بعقول ناضجة واعية على الحضارة الغربية الحديثة و التأثر بمظاهرها في الأدب ،و قد ساعد هذا على تخلص المقالة من بعض عيوبها و نقائضها تأثرا بحضارة الغرب و آدابه و أفكاره و فلسفاته .
4- نشأة المطابع و انتشارها بسرعة في الوطن العربي ، و أثرها في سرعة نشر المقال و وصوله إلى جمهور القراء.
5- ما جد على الأمة من أحداث ،و تغيرات، و تطورات اجتماعية و سياسية و ثقافية و علمية، كان مجالا خصبا خاض فيه الكتاب بأقلامهم ،(( و اتجهوا إلى عامة الناس يخاطبونهم من قرب ، و يحدثونهم في شؤون وطنهم تارة، و في شؤون دينهم و حياتهم تارة )) فكان لها ابلغ الأثر في نفوسهم.
6- توافر عدد كبير من كتاب المقالة البارزين في ربوع الوطن العربي ، الذين تخصصوا في كتابة المقالات على اختلاف أنواعها ، و في موضوعات شتى ، و الذين وجدوا في المجلة و الصحيفة مجالا رحبا للتعبير عن قضايا وطنهم و مجتمعهم ، كما وجدوا فيها – في الوقت ذاته – مجالات للتعبير عن مشاعرهم و تجاربهم الذاتية ، فاستخدموا المقالة وسيلة للاتصال بشعوبهم ، و التعبير عن تجاربهم ، فاتضحت شخصياتهم ، و برزت اتجاهات أدبية متعددة في فن المقال ، و اقبل على كل أديب جمهوره الذي يتذوق أسلوبه و يعجب به .
- لقد كان هذا الفن النثري { المقال} من اكثر فنون النثر ذيوعا و انتشارا في العصر الحديث ، و على وجه الخصوص في النصف الأول من القرن العشرين، حيث كان اكثر كتاب هذا العصر يميلون إليه في كتاباتهم، لانتشار الصحف و المجلات، و كثرتها كثرة ضمنت للأديب سرعة النشر و الذيوع ، و من ثم جاءت كتبهم زاخرة بهذا الفن ، حتى ليمكننا القول : ان اكثر الكتب التي انتشرت في ذلك العصر ، و في النصف الأول من القرن العشرين على وجه الخصوص ، إنما هي كتب أدبية في صورة مقالات متنوعة الأغراض.
فلفظة مقالة مشتقة من مادة (قول):قال ،يقول،قولا،قليلا و قولة،مقالا و مقالة…و قد وردت بعض مشتقات اللفظة في الشعر الجاهلي و في القران الكريم و الحديث الشريف .و قد استخدم العرب في العصور الإسلامية الأولى لفظة(مقالة) كمصطلح فني ،لكن دلالتها كانت تعنى (بحث في مذهب من لب\المذاهب الدينية أو مسالة .و صاغ الدكتور جونسون اشهر تعاريف المقالة،حيث عرفها بأنها (وثبة عقلية ،لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظام ، و هي قطعة إنشائية ،لا تجري على نسق معلوم ،و لم يتم هضمها في نفس كاتبها،أما الإنشاء المنظم فليس من المقالة في شيء .فالمقالة تعبير مكتوب عن نظرة أو رأي شخصي في أمر من أمور الحياة ،أو شيء من أشيائها ،يتخذ الكاتب له فيه خط سير مرسوم –أيا كان شكل ذلك الخط –يتم بتمامه نقل ما في نفسه إلى المتلقي .فكلمة مقال اسم مكان ،يعني مصدر القول و مكانه ، فهي تعبير مجازي ،أي أن المقال هي قول في مكان –و بهذا تفترق عن الخطابة – و هذا يشير إلى شكلها و ما يجب أن تكون عليه من أبعاد و حدود،و ما تتميز به عن غيرها من فنون النثر ، و لعل من أهم تلك المميزات أنها قول مكتوب.فالمقال ما هو إلا تجربة عقلية وجدانية يمر بها الكاتب ،ويتمثل خطوطها ،و يعبر عنها بأسلوبه الخاص الذي يحمل طابعه الشخصي،و هو قطعة نثرية لها هيكل يبدأ من فكرة معين ،و يظل يشعر في النهاية في كل من الأجزاء، إلى أن تكشف العبارة الأخيرة عن المضمون،وتبرر وجود العبارات السالفة وتلاحمها في البناء.
و باستقراء التعاريف السابقة ،نرى أن المقالة قطعة إنشائية نثرية،محدودة الطول ،والموضوع،تكتب بطريقة عفوية بسيطة،لا تكلف فيها و لا تصنع ،عن موضوع يمس شخصية كاتبها من قريب أو بعيد .
مرحلة النشأة:
يذهب بعض الأدباء إلى أن فن المقالة ليس فنا حديثا ،و إنما هي قديمة العهد ،ترجع إلى ما أنشأه العرب من خطب ،ومقامات،وفصول،و رسائل.فإذا رجعنا إلى الوراء انقل صفحات النثر العربي في عصوره المختلفة ، بحثا عن المقالة في نشأتها و نموها ،نجد المقالة فنا من فنون النثر التي ولدت في ظلال الدولة الإسلامية .حيث اهتم الإسلام و رسوله صلى الله عليه و سلم بالكتابة و حث عليها،و احتفل بها هو و الخلفاء الراشدون و غيرهم من بعده.بيد أنها وسمت باسم (الرسالة) أو (الكتاب)، مراعاة لطريقة وصولها إلى الآخرين إذ هي مرسلة،أو لهيأتها إذ هي مكتوبة،فلما هيئت لها أسباب الشيوع،و توفرت لها أسباب الانتشار ،و أصبحت قولا معروضا منشورا للعامة و الخاصة – بواسطة الصحف- كان من الضروري أن يغير اسمها و يتحول إلى (المقالة).
ان الواقع يؤكد ارتباط نشأة المقالة في أدبنا الحديث بتاريخ الصحافة ارتباطا وثيقا ،حيث نشأت الصحافة و معها المقالة بوصفها الوسيلة الأساسية في التعبير عن أغراضها المختلفة و آراء محرريها و كتابها.
تطور المقالة العربية الحديثة:
يمكن اعتبار تاريخ المقالة العربية في مصر،هو تاريخ للمقالة العربية الحديثة.وليس ذلك لان المقالة العربية الحديثة كتبت في مصر.واستمرت تكتب زمنا طويلا قبل ان تكتب في عالمنا العربي لظروف القراء العرب و المثقفين، و لظروف الطباعة في أقطارنا العربية فحسب.و ليس ذلك لان المقالة العربية الحديثة التي كتبت في مصر ،كانت تقرأ في عالمنا العربي كله،و تركت صدى مباشرا و غير مباشر في نفوس مثقفيه فحسب ،بل لان المقاليين الذين كتبوا هذه المقالة طوال مراحلها-خاصة المراحل الأولى –كانوا يمثلون الأمة العربية تمثيلا حقيقيا أيضا.فقد كان المقاليون طوال مراحل تطور المقالة العربية الحديثة – مصرين و متمصرين و ضيوفا على مصر- من مصر و الشام الكبير و العراق و الحجاز و اليمن و السودان و الشمال الأفريقي…و يؤكد ذلك استعراض أسماء المقاليين و تتبع أصولهم ، و يضيف الاستعراض و التتبع أسماء كثيرة أخرى لعناصر وفدت من العالم الإسلامي الأوسع ،و لم يكن هؤلاء و أولئك مجرد مساهمين هامشيين في كتابة المقالة العربية في مصر،و إنما كانوا من أعمدة كتابها،و من عناصر استمرارها. و لذا يمكن اعتبار المقالة،مقالة عربية كتبت في مصر .
و لظروف الحياة الفكرية و الثقافية خلال القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين في مصر ارتبط تاريخ المقالة العربية الحديثة بالصحافة المصرية ارتباطا وثيقا. حيث لم تنشر المقالة الحديثة في مراحلها الأولى كفن مستقل ،أو تنشر في مجموعات مقالية وحدها، كما حدث في فرنسا و إنجلترا،و إنما نشأت المقالة العربية في حضن الصحافة المصرية ،و وظفت في خدم أهدافها ،و في حمل آراء كتابها و محرريها و مراسليها.و قد مر تاريخ تطور المقالة العربية الحديثة بخمس مراحل،ارتبطت بتطورات الحياة الفكرية المصرية و نشأت عنها.كما ارتبطت بانعكاس الحياة الاجتماعية في المنطقة العربية على المثقفين العرب .و قد تميزت كل مرحلة من هذه المراحل الخمس بحدوث تطور فني في أسلوب المقالة و شكلها،و في موضوع المقالة و أهدافها.و هو تطور اثبت جهد المقاليين الكبير في خدمة فن المقالة كي تصل إلى انسب شكل فني يحقق أفضل اتصال بالقارئ.
عوامل تطور المقالة:
فن المقالة إذن فن عربي أصيل مر في الحياة بأطوار،أعطته و أخذت منه،حتى كان على ما نرى اليوم في هذا العصر الحديث.و هكذا يتبين لنا ان فن المقالة فن عربي أصيل ،قديم في نشأته،عرفه العرب مع بدء الدولة الإسلامية،و تطورت شيئا مل في العصر الأموي ،حتى أتقنها كتاب العرب في العصر الأموي،وفي الأندلس كذلك وجدت واضحة في بعض كتابات علم مثل- الجاحظ—وغيره-حيث تناول موضوعات محددة في صورة مركزة-تشبه إلى حد كبير شكل المقالة و إن لم تكن هي تماما.و بمضي هذا الفن في طريقه البين ،حتى إذا كان العصر الأدبي الحديث يتطور تطورا ملحوظا،و يتحول به المسار،وكلما مضى بنا الزمن في العصر الحديث كلما يزدهر هذا الفن و تتعدد ألوانه و موضوعاته،حيث توفر له من عوامل التطور ما غير فيه الكثير،فقد عرف عصرنا الحديث المقالة منذ فاتحته إذا كانت هي استهلالته الموفقة ،وكان الكتاب الأوائل الذين أسسوا أدب العصر الحديث أصحاب مقالات اكثر ما كانوا أصحاب كتب على أن مقالاتهم قد ضم بعضها إلى بعض حتى تألفت منها كتبهم الأولى ،وظهرت حاجة المعاصرين إلى المقالة بأكثر مما ظهرت حاجتهم في مطالب الكتاب ،إذا كان عصرنا في حضارته يود غذاء روحيا و عقليا كخبزه اليومي، فوجد المقالة وسيلة إليه ، فنما هذا الفن في ظلال هذا العصر،و برزت المقالة في الصحف اليومية و الأسبوعية و المجلات الشهرية إذ كان دأبها في مظاهرها العناية بأدب المقالة.
و هكذا كان تطور هذا الفن و ازدهاره في عصرنا الحديث يرجع لأسباب كثيرة ، أبرزها:
1- نشأة الصحافة العربية، و كثرة عدد الصحف و المجلات المنتشرة في ربوع الوطن العربي، و التي تحولت إلى لسان يخاطب الشعب بكل طبقاته، و في كل أموره ، و كانت الصحافة على اختلاف أنواعها تقوم أساسا على المقالات ، و فيها أيضا سرعة وصول المقالات إلى جمهور القراء.
2- العودة إلى التراث العربي في عصور ازدهاره ،و اتباع منهج أصحابه في الكتابة ،و التمسك باللغة القوية و الأسلوب المرسل ،فتطور فن المقالة و ازدهارها كان أثرا من آثار الرجوع إلى تراثنا الأدبي العربي .
3- الاتصال بالأدب اغربي الحديث ،و التأثر بكتاب المقالة فيه، الذين وصلوا بهذا الفن إلى أقصى درجات الإجادة و الازدهار، فانفتح كتابنا بعقول ناضجة واعية على الحضارة الغربية الحديثة و التأثر بمظاهرها في الأدب ،و قد ساعد هذا على تخلص المقالة من بعض عيوبها و نقائضها تأثرا بحضارة الغرب و آدابه و أفكاره و فلسفاته .
4- نشأة المطابع و انتشارها بسرعة في الوطن العربي ، و أثرها في سرعة نشر المقال و وصوله إلى جمهور القراء.
5- ما جد على الأمة من أحداث ،و تغيرات، و تطورات اجتماعية و سياسية و ثقافية و علمية، كان مجالا خصبا خاض فيه الكتاب بأقلامهم ،(( و اتجهوا إلى عامة الناس يخاطبونهم من قرب ، و يحدثونهم في شؤون وطنهم تارة، و في شؤون دينهم و حياتهم تارة )) فكان لها ابلغ الأثر في نفوسهم.
6- توافر عدد كبير من كتاب المقالة البارزين في ربوع الوطن العربي ، الذين تخصصوا في كتابة المقالات على اختلاف أنواعها ، و في موضوعات شتى ، و الذين وجدوا في المجلة و الصحيفة مجالا رحبا للتعبير عن قضايا وطنهم و مجتمعهم ، كما وجدوا فيها – في الوقت ذاته – مجالات للتعبير عن مشاعرهم و تجاربهم الذاتية ، فاستخدموا المقالة وسيلة للاتصال بشعوبهم ، و التعبير عن تجاربهم ، فاتضحت شخصياتهم ، و برزت اتجاهات أدبية متعددة في فن المقال ، و اقبل على كل أديب جمهوره الذي يتذوق أسلوبه و يعجب به .
- لقد كان هذا الفن النثري { المقال} من اكثر فنون النثر ذيوعا و انتشارا في العصر الحديث ، و على وجه الخصوص في النصف الأول من القرن العشرين، حيث كان اكثر كتاب هذا العصر يميلون إليه في كتاباتهم، لانتشار الصحف و المجلات، و كثرتها كثرة ضمنت للأديب سرعة النشر و الذيوع ، و من ثم جاءت كتبهم زاخرة بهذا الفن ، حتى ليمكننا القول : ان اكثر الكتب التي انتشرت في ذلك العصر ، و في النصف الأول من القرن العشرين على وجه الخصوص ، إنما هي كتب أدبية في صورة مقالات متنوعة الأغراض.